علي رضا باشا الركابي 1918



1918

عاصر الحكم العثماني ، وكان ركناً بارزاً فيه .
عندما رحل الأتراك ، ونهض الحكم العربي الفيصلي ، شكل أول وزارة في تاريخ سورية .
وشكل وزارتين في الأردن ، ووضع للأردن نظامه المالي والإداري .
دعم الثورة السورية لدى قيامها ، وهو رئيس للوزراء في الأردن .
تقلب في عدد كبير من المناصب ، وعهد إليه بعدد كبير آخر من المسؤوليات والمهام.
كان إدارياً حازماً ، ونزاهته تعتبر من الأساطير في هذه الأيام .
رضا الركابي كان جزءاً من تاريخ سورية الحديث .
غير أنه لم ينل حقه الكافي من الشهرة ، والدراسة ، والتحليل .
شيء من حياته
أبصر علي رضا باشا الركابي النور بدمشق في عام 1886 ، وينتمي إلى أسرة دمشقية عريقة ، تعرف بالاستقامة والتقوى .
تلقى تعليمه الابتدائي في المدرسة الرشدية العسكرية . وانتقل منها إلى المدرسة الإعدادية . ولأنه كان متفوقاً على جميع أقرانه ، وتقديراً لعلامات النبوغ والعبقرية لديه ، فقد أرسل إلى المدرسة الحربية في الآستانة ، حيث درس فيها الشؤون العسكرية . وتخرج منها حاملاً رتبة " رئيس أركان حرب ".
بعد تخرجه من المدرسة الحربية عين قائدا للجيش التركي في القدس ، ووكيلاً لمتصرفها .
عندما أعلن الدستور العثماني ، عين رئيساً للشعبة الخاصة في الآستانة .
ونقل منها إلى المدينة المنورة ، حيث عين محافظاً فيها وقائداً لجيشها ، وذلك بعد أن جرت ترقيته إلى رتبة أمير لواء . رحل إلى العراق ، حيث تسلم قيادة الجيش في بغداد والبصرة .

عندما أعلنت الحرب العالمية الأولى عام 1914 ، استشارته الحكومة العثمانية ، بين من استشارتهم من قواد جيوشها، بشأن دخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب حليفتها الدولة الألمانية ، أو عدمه . وكان رأي رضا باشا الركابي ، أن تظل الدولة العثمانية على الحياد ، لأنه كان مطلعاً على حقيقة وضع الجيش العثماني وأسلحته وعتاده ، وضعف إمكانياته . ولأنه أشار بضرورة الحفاظ على الحياد في هذه الحرب الطاحنة ، فقد اعتبر من الانهزاميين والجبناء ، فصدر الأمر بتسريحه ، وإحالته إلى التقاعد . وكان وراء تسريحه وتقاعده عدد من المسؤولين والضباط المندفعين والمتحمسين لخوض الحرب ، إلى جانب الصديقة والحليفة الدولة الألمانية .

عندما عاد الركابي إلى دمشق ، بعد تسريحه ، أراد جمال باشا الإفادة من علمه وخبرته ، مع حرصه على وضعه تحت رقابته ، لذا أمر بتعيينه رئيساً لبلدية دمشق ، ورئاسة التحكيمات . وقد آثر الركابي قبول هذين المنصبين ، كي يدفع عن نفسه الشبهات. فقد كان الرجل في حقيقته من مؤسسي "جمعية العربية الفتاة " و" جمعية العهد " . وهاتان الجمعيتان كانتا أول من زرع بذور القومية العربية في العهد العثماني .

شكل أول وزارة سورية

عقب إعلان الثورة العربية الكبرى ، ودخول الجيش العربي دمشق ، عين رضا الركابي حاكماً عسكرياً للمنطقة الشرقية .
عندما أعلن المؤتمر السوري استقلال سورية ، في الثامن اذار1925 ، وتسلم زمام الحكم الأمير فيصل بن الحسين ، ونودي به ملكاً على سورية ، عهد إليه بتشكيل أول وزارة عربية ، فتسلم الركابي زمام الأمور ، وشكل الوزارة ، ولقب بالحاكم العسكري .
بعد معركة ميسلون غير المتكافئة ، ودخول القوات الفرنسية إلى دمشق ، وانتهاء العهد الفيصلي ، رحل رضا الركابي إلى مصر . وانتقل منها إلى الحجاز . وهناك كلفه الشريف حسين بالذهاب إلى الأردن ، لمساعدة ولده الأمير عبد الله بتأسيس وإدارة دولة شرقي الأردن .

رضا الركابي في الأردن

في عمان إلى الركابي في الثاني عشر من آذار 1922 الحكومة الأردنية الأولى . وعمل على وضع القوانين والأنظمة المناسبة للدولة الأردنية الجديدة ، ولاسيما في نطاق الأنظمة المالية والجهاز الإداري .
وفي الثالث من تشرين الأول 1922 دعاه الأمير عبد الله إلى مرافقته في رحلة إلى لندن ، لعقد معاهدة بين الأردن وبريطانيا ، وبحث الشؤون العربية هناك .
ومكث الركابي مع الأمير عبد الله بعض الوقت. ثم غادر الأمير لندن واستبقى رئيس وزرائه للاتفاق مع وزارة المستعمرات البريطانية على الشكل النهائي لحكومة الأردن .
وقد وفق رضا الركابي بالحصول على موافقة بريطانيا على استقلال المنطقة استقلالاً نيابياً ، على أن لا يشملها وعد بلفور المشؤوم بإنشاء الدولة الصهيونية على الأرض الفلسطينية.
عاد الركابي بعدها إلى الأردن . ثم نشأ بين الأمير عبد الله وبينه خلاف حول بنود هذا الاتفاق ، أدى إلى تقديم استقالته من رئاسة الوزراء .
وفي أوائل عام 1924 دعي رضا الركابي ثانية إلى تشكيل الوزارة في الأردن . فاستجاب لهذه الدعوة ، وشكل الوزارة ثانية . وظل في منصبه هذا إلى حزيران من عام 1936 ، حيث استقال ، وانتقل للإقامة بين حيفا والقدس طوال سنتين ولصف السنة .
وكان الركابي يوم شكل وزارته ، قد أعلن في برنامجه الوزاري ، العمل بالصدق والإخلاص في القول والعمل ، وتوزيع العدالة بين جميع أفراد الشعب ، والمراعاة التامة لشؤون الاقتصاد ، والاعتماد على الكفاءات في التوظيف ، وقمع بذور الفساد ، وكل ما يسيء إلى السمعة . ودعا إلى التعاضد والتكاتف في جميع أمور الإصلاح ، وصيانة المنطقة من الأحوال المخلة بالأمن .
وكان الركابي وهو رئيس للوزراء في الأردن ، يدعم الثورة السورية بكل إمكاناته سراً ، ويذكي روح المقاومة بين صفوف الثوار . ومن أجل هذا ، لم يستطع عقب استقالته من رئاسة الوزارة العودة إلى أرض الوطن ، بل أثر الإقامة في فلسطين ، إلى أن انتهت الثورة ، وصدر العفو العام على كل من شارك بالثورة . وكان خلال إقامته في الأرض الفلسطينية ، يعيش عيش الكفاف ، بسبب فقره وضيق ذات يده .
بعد عودته إلى دمشق ، ووفاة الملك الهاشمي فيصل الأول ، اعتزل الرجل ، النزيه ، المستقيم ، العمل السياسي ولزم بيته ، وانقطع عن الناس .
ورحل رضا الركابي إلى جوار ربه ، في يوم الاثنين الخامس والعشرين من أيار عام 1942 ، بعد أن عانى من المرض طويلا ، وأصيب بالشلل .
بعض صفاته وأخلاقه
يوصف رضا الركابي ، بأنه إنسان مثالي في حياته ، يعشق النظام ، ولا يسامح أو يتسامح مع من يخل به أو يتجاوزه، مهما كان هذا الإخلال صغيراً . كان يحاسب مرؤوسيه على أي خطا أو تجاوز حساباً لا هوادة فيه ولا لين. كان الموظفون الذين يعملون تحت إمرته ، يتصورونه شبحاً مرعباً .
فهو قد يطل فجأة على هذه الدائرة أو تلك ، ليتفقد سير العمل ، ويطمئن إلى حسن سير الأمور، وأنه لا يوجد أي موظف لا يقوم بواجبه على الوجه الأكمل .
كان إلى جانب ذلك مستقيماً ، صادقاً ، نزيهاً ، ونزاهته وطهارة يده مضرب الأمثال .
كان حريصاً على أن ينال كل ذي حق حقه كاملاً ودون وساطة ، أو شفاعة ، أو زلفى من أحد . ويعتبر هذا اللون من الوساطات من أبرز عيوب شرقناً العربي .
هذا شيء عن بعض طباعه واستقامته . أما صفاته الشخصية ، فيقول من عرفوه عن قرب أو صحبوه ، إنه كان ربعة إلى القصر ، ممتلئ الجسم ، حاد النظرات ، عيناه براقتان ، يصعب على محدثه التحديق بهما . وكان يتمتع بحيوية دفاقة ، ونشاط كبير . وكان يصب هذا النشاط والحيوية في العمل الذي يتولى أموره .
ومن مآثر رضا الركابي التي لا تنسى ، أنه أمر ، عندما كان رئيساً للوزارة السورية الأولى ، بتأسيس المجمع العلمي العربي أسوة بالدول الكبرى في العالم . وبذلك سبقت سورية جميع الأقطار العربية إلى تأسيس مثل هذا المجمع